السبت، ٢٦ مارس ٢٠١١

الغائب الحاضر

"احدثهم دائما فلماذا لا احتفظ بارقامهم " .. كلمات قلتها لاختي اجابة علي سؤالها عن سر نقل ارقام كلا من "الدكتور عبدالوهاب المسيري وصديقتي اميرة" الي هاتفي الجديد رغم وفاتهم.. ليس هذا من باب الجنون .. ولكن من باب شعوري بانهم ممن نطلق عليهم "الغائب الحاضر"

استحضرهم كثيرا في ذهني اتخيل حوارا ثنائيا بيني وبينهم .. اصيغ ردود افعالهم علي مواقف حالية وماذا كانوا سيقولون .. اتذكرهم مع كل حملة تجول في موبايلي .. مع كل موقف اري انهم كان مجال اهتمامهم ..

اتذكر تلك الحوار الذي دار بيني وبين المسيري اثناء الثورة المصرية وتوالي التصريحات من قبل مسئولي الكيان الصهيوني التي تعبر عن حالة من الرعب مما يحدث .. اجده يعلق علي ذلك بانه خوف من نهايتهم التي بدات والتي توقعها وحددها قبل وفاته في خمسين عاما .. استحضرت صورته وهو في ايامه الاخيرة ومعالم المرض تغطي وجهه الذي بدا مبتسما وهادئا قليلا وثائرا في كثير من الاحيان .

اجده يثني علي الثورة الشعبية ويؤكد انها كانت واقعة لامحالة بعد استحفال الفساد والظلم في البلاد .. اسمعه بتنهيدة تنم عن الفرح يقول لي الشعب المصري شعب عظيم كنت اتوقع ذلك منه .. فهو الذي حارب كل المحتلين حارب الهكسوس والانجليز والعدو الصهيوني فكان طبيعي ان يطهر نفسه من الداخل ممن لايقل خطورة عن المحتل الخارجي فكما ينهب المحتل البلاد نهبوها هم .. ويالا الالم عندما ينهبك ابن بلدك.

اصغي الي اشادته باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة .. ويؤكد انها نتيجة طبيعية لما حدث في مصر فمصر هي مربط القضية الفلسطينية ومن خلالها وبدعمها سيكون تحرير الاراضي الفلسطينية .. ويطالب الشباب في فلسطين بقيادة الثورة علي المحتل مثلما قادها شباب مصر علي الفساد .

ولرقمها عندي وضع خاص مثلما كانت لها عندي وضع خاص .. لاتزال صورة صديقتي اميرة امامي بابتسامتها الجميلة ..لازالت المقولة التي كانت تحبها ترن في اذني بصوتها :"أجمل الأنهار لم نراها بعد .. أجمل الكتب لم نقراها بعد .. أجمل أيام حياتنا لم تأت بعد".

حزنت جدا لفقد ميلي لفترة من الوقت .. كدت اجن ليس فقط لانه يحمل الكثير من الاشياء المهمة بالنسبة لعملي ودراستي .. بل لانني اعتدت ان احفظ عليه الكثير من الصور التي تمثل لدي الكثير من الذكريات واحرص علي تسجيل التاريخ اسفل كل صورة وكلمة تحمل مناسبتها .

لنا زميلة كنا نطلق عليها "مجنونة تصوير" فهي تحرص علي تسجيل المواقف بالصور فهي تحمل دائما كاميرا في حقيبتها تسجل بها كل المناسبات .. كانت تخرج كل يوم بحصيلة لاتقل عن عشرين صورة .. حرصت علي تسجيل الكثير من اللحظات بيني وبين "اميرة" .

اتجول في الصور فاجد هذه الصورة التي تخطف من يدي السندوتشات .. وتلك الصورة التي نجري خلف بعضنا .. وذاك الصورة التي تصور افواهنا مفتوحة ونحن نجادل مع بعضنا بحدة .. وصور تصور لحظات السعادة العارمة علي وجوهنا .. وصور نقلد فيها بعض الاساتذة ..وتلك الصورة التي اصبت في يدي وهي تقذفني بحقيبتها .. وصورتي وانا اكاد أسقط علي الارض اثر دفعة منها وتظهر هي مبتسمة .. وغيرها .. فكل صورة تمثل لدي الكثير .. اتجول في ذاكرة الصور فصورة تضحكني للغاية وانا اتذكر موقفها .. وصورة اخري تشعرني بالحزن .

اتحدث معها كثيرا فلكم من مواقف وقعت وتقع اشعر بانها من صنعها .. اجد صورتها حاضرة امامي يجري بيننا حوارا لطيفا شيقا .. بلغة لوغارتيمية لا يفهمها الا انا وهي .. نتحدث بها امام الاخرين ولكن لايفهم دلالاتها الا نحن .. لاازال حتي الان اعتقد ان اي رنات لموبايلي صباحا منها كي توقظني للذهاب الي العمل .

اتذكرها كلما ذهبت الي البوفيه وانا اطلب قطع البسبوسة المغلفة التي كنا ناكلها سويا .. استحضر كلماتها وانا اطلب الشاي "خفيف سكر زيادة" .. تزرف دموعي عندما تمر بي السيارة الي احد المحلات المتخصصة في بيع فساتين الزفاف التي اعتادت ان تاخذني اليه كي نتجول فيه بل وتعمل بروفة علي العديد منها وكانت تامل ان تشتري فستان زفافها منه .

كثيرا مايسالني زملائي في العمل عن سر ابتسامتي واحيانا ضحكي بصوت واضح وانا انظر الي المكتب التي اعتادت الجلوس عليه .. اتذكر احاديثها المضحكة التي اتذكر الكثير منها وكان ذاكرتي احتفظت بها في ملف خاص يحميها من التداخل مع غيرها وتجري عملية مراجعة دورية لها كي لاتفقد .

افكر كثيرا لكام من احياء يعيشون وسطنا ولا نعطي لهم بالا اما لقلة تاثيرهم وعدم فاعليتهم او اننا لا نعرف قيمتهم احيانا اخري .. وكم من اموات يعيشون داخلنا واحيانا يكونوا وقودا يحرك ترس حياتنا .

لا اعلم لماذا لانعلم ونقدر قيمة الانسان وندرك اهميته بالنسبة لنا الا بعد ان نفقدهم او حتي تباعد بيننا الايام .. وفي نفس الوقت يكون هناك اشخاصا قريبون منا ونضع الكثير من الحواجز بينا .