الأربعاء، ٧ مارس ٢٠١٢

نعم .. انه الاقوي!!!

"انه اقوي من اشياء كثيرة جدا"
قالت لي هذه
العبارة بنبرة حزن شديد
سألتها:"ما
هو؟!"
لم ترد وصمتت
قليلا ثم عادت وقالت "انه يغير مسار الحياة .. بل يغير الشخصية ككل"
كررت
السؤال:"ما هو؟!"
لم تعر لسؤالي
اي اهتمام وكأنها تخاطب جماد لا ترغب أن يشاركها الحديث وأكملت:"انه اقوي من الإحساس
بالفرحة والبهجة .. اقوي من الإحساس بالحياة الحالية أو أي حياة جديدة تنتظر
سعادتي"
نظرت لها
باستغراب وحيرة في معرفة تلك الشئ الذي تتحدث عنه ولكن لم اعد السؤال
فاضافت
:"اشعر باني في الخمسين من عمري رغم انني لازلت في مقتبل العمر.. اجد نفسي
ابتعد متعمدة عن الحديث في احاديث من في نفس عمري وامانيهم اشعر بان تحقيقها
بالنسبة لي في حكم المستحيل"
وتابعت:"لم
اعد اشعر بالاشياء من حولي او اتعمد ذلك بل وفقدت الاهتمام بما كنت احبه..اسارع
الزمن وكأني علي موعد مع مجهول يتربص لي .. نعم انه المجهول الذي اخشاه .. وارفض
ان اتقبله ..احيانا افقد الاحساس بالاشخاص من حولي فابدو كتلة من الحجر الذي لا
يشعر بمن حوله او يستطيع متابعة تحركاتهم، افراحههم، احزانهم"
واكملت
:"نعم غير الكثير من الامور.. اعاد تقييم للحياة .. غير النظرة للوجود..
وللاشخاص.. هدم الكثير من الخطط .. حطم احلامنا كبيرة"
"احيانا
اتساءل اهي بداية ما اعد له ام نهاية؟!!!.. اصر رغم سيطرته علي انها بداية لا
نهاية .. فالنهايات وان كانت ليست باايدينا الا اننا نملك بايدينا كتابة بدايات
كثيرة .. اراهن بكل مااملك علي ذلك"هكذا قالت وهي شاردة الذهن..
قطعت حديثها
متسائلة :"اي بداية؟"
نظرت الي دون
اجابة ثم اكملت والدموع تتساقط من عيونها :"اعلم باني اخطأت في حق الاخرين وقبلهم
نفسي.. لم يكن هناك حلول ولن يكون!!"
اني ابعضه
جدا جعل الاحساس بالضعف جزء من شخصيتي.. اشعر باني لابد ان ارتبط بالاخرين فوجودي
وحدي قد يعني دماري.. ذلك الضعف جعلني اتمسك ببعض الاخرين وكاني طفلة صغيرة تخشي
الظلام او حتي النور الشديد وحدها"...
صمتت قليلا
:"لازلت احمل بعض التفاؤل.. الحمد لله"
انهت حديثها
هذا ثم ادخلتنا في حديث اخر مختلف تماما وكانها كانت تحمل جرعة من الحزن ارادت ان
اشاركها فيها ..
السؤال الذي
ابحث عن اجابتها "ماهو ذلك الشئ الذي تتحدث عنها؟!"... لم تجيبني واشعر
انها لن تجيبني!!

الأحد، ١ مايو ٢٠١١

اليك استاذي

رحل عنا تاركا بصماته في ذهن كل من تعرف عليه او سعدته الايام بالعمل معه او حتي تشرف بالتحدث معه .. ترك بصمة اخلاقية باسمه يحملها للابد الي اللقاء امام الله فتكون شفعيته .. ليست مجرد كلمات في رثاء رجل رحل عن الحياة .. انها حق كان يجب ان ياخذه في حياته .. تشغلنا الحياة عن تقدير الكثير ذو الافضال علينا .. لا نتذكرهم ونتذكر افضالهم الا عندما يرحلوا منها .. هي اللعنة التي اصابتا وستظل تصيبنا ... لعنة انكار الاخرين وعدم اعطائهم حقوقهم ..


استاذي


يالا كثرة ترددها علي لساني يوميا .. ارددها بلا وعي احيانا كثيرا .. اقولها لاغلب من اتحدث اليهم .. اعتدت استخدمها كلقب للكثير ممن اتعامل معهم .. اجد نفسي اقولها لرئيسي في الشغل .. اقولها احيانا لزملائي .. اقولها احيانا لاخي الصغير .. اقولها احيانا لطلابي .. لااعلم لماذا؟ .. هل لمجرد تعودي علي ذلك ؟! .. ام انني دون ان ادري لها معاني عندي؟! .. فكرت كثيرا دون فائدة لم استطع تحديد السبب ...
عدت وقلت دائما مااقول دون ان افكر في مدلولها ان استاذي هو من يترك بصمة في ذهني اتذكره بها دائما اي كان وضعه بالنسبة لي ... هو من ادين له بالفضل في تعلمي شئ ما .. ويالا الجمال اذا تعلمت منه سلوك او خلق ما .... فما اكثر العلم بفهومه المعتاد في الكتب ومن السهولة الوصول اليه.
عقب علمي بخبر وفاة "استاذي عادل القاضي" .. اعدت استيعاب المعاني بل وتحديديها

فعنه اكتب


تجده حاضرا في اصغر شئ ..في ابسط الكلام .. تشعر كانه طير محلق في السماء.. في وقت تجد فيه الكثير يتجاهل من حوله وجدته يهتم بادق التفاصيل وبكل من حوله .. شخص غير عادي .. يجمع مئات الاشخاص داخله .. يتصرف وكأنه عشرات الاشخاص.
اعجبت جدا بدقة ملاحظته واهتمامه بكل كلمة تقال في اول لقاء بيننا في اجتماع للقسم الذي كنت اعمل به بـ "محيط" عقب توليه رئاسة تحرير.. وجدته يقرا افكار كل من حوله يركز جدا وكانه يحاول ان يفهم عقل من امامه .
خاطبته معاتبة علي سحب احد ملفاتي من علي الموقع من الفلاشة الرئيسية ليرد علي بانه سيرجع بعد دقائق لانه وجد انه جيد – كما قال – وشجعني علي الاستمرار ، وقتها شعرت بدفعة معنوية كبيرة .. استمريت خلال الاشهر القليلة لعملي تحت رئاسته بالموقع واعتبر هذه الفترة من اكثر الفترات التي كتبت مااريد ..
اتذكر كيف كان يناقشني في عناوين الموضوعات رغم انه لم يكن رئيسي المباشر .. فكنت اتعجب كيف له يناقش محررة لازالت مبتدئة .. الا يمكن له ان يحذف العنوان ويضع بديل له .. هنا لمست فيه انه يريد ان يعلم لا ان يسيطر ويفرض رأيه .
لازلت احتفظ باول مكافاة صرفها لي لاشادته باحد الحوارات التي اجريتها .. كانت وقتها مائة جنيه .. لااعلم لماذا احتفظت بها .
اتذكر له تشجيعي علي فكرة احد الابواب الجديدة التي عرضتها عليه لانشائها علي الموقع وطلب مني كتابة تصور لها وتخطيط لشكل الصفحة وهو ماتم واشاد به .. وللاسف لم يتم تنفيذها لمغادرته الموقع بعدها مباشرة .
له الفضل علي في اتخاذ خطوة العمل الاكاديمي الذي كنت لااحبذه .. شرح لي كيف انه هام لي في المستقبل .. وشرح لي كيف كان متفوقا وكان يريد ان يعين كمعيد بالكلية .. وساعدني كي اوفق بين العمل الصحفي والاكاديمي رغم اني تركت العمل بالموقع قبلها الي العمل من الخارج .
اتذكر له مداعبته لي وهو يقول لي "انا خايف تخرجي ومترجعيش .. تاخذك الرياح وتطير " ، ومرة اخري يقول لي "انك تذكريني بابنتي فهي نحيفة مثلك".
نعم انه استاذي .. بكل الفخر اقولها .. استاذي الذي تعلمت منه الاخلاقيات والهدوء والالتزام مع النفس ومع الاخرين .. تعلمت منه كيف تحتوي كل من حولك بحسن كلامك واختيار الالفاظ اللائقة.
دائما مااحرص علي مراقبة الاشخاص وتصرفاتهم .. واحيانا انفعالاتهم مع المواقف .. واحرص ايضا علي تعلم ما يروق لي من سلوكياتهم .. واول ماتعلمته منه "السكينة " و "الحرص علي التواصل مع الاخرين" .
لااعلم لماذ أبت دموعي ان تسقط حزنا عليه؟ .. هل رات انه اكبر بكثير من مجرد سقوطها عليه ؟.. انه فعلا ذهب الي مكان يليق به .. لم يكن مكانه علي الارض كما وصفه تلاميذه واصدقائه .. اخلاقه اخلاق الملائكة ..

عنهم ..عني


كنت انتظر انتهاء الشهر الماضي بفارغ الصبر اصبحت ابغضه فقبلها بايام في زيارة لوالدة صديقتنا قالت لنا "حتي الحزن بعد وفاتها لم يعد له معني عندي" .. اخذنا الكلمات ورحلنا.. لم افكر فيها كثيرا الا عندما سمعت خبر وفاة "القاضي" .. احيانا نفقد الشعور بالشئ او حتي التعبير عنه من تراكمه او من شدة مفاجاته .. فتجد نفسك تتصرف بطبيعتك وفي داخلك شئ تريد ان تخرجه ولا تقدر .. فباي شكل يخرج وكيف!! .. يصيبك الصمت والتبلد في التعبير عما بداخلك ..

لااعلم لماذا وجدت الكثير من التشابه بينهم .. لهم مكانة كبيرة عندي .. اكن الكثير من الاحترام لهم .. لهم علي الكثير من الافضال .. تعملت منهم الكثير .. يملكون الكثير من النقاء والحب يوزعونه علي من حولهم .. تشعر بالراحة في الحديث معهم .. من الشخصيات التي لايمكن ان تنسي .. تشعر بالسعادة عندما تخطرون علي ذاكرتك .. تدعو لهم من القلب .
اري التشابه ايضا في التوقيت بالنسبة لي ..فجاءت الوفاتين في وقت اري انهم غمرة السعادة لي اريد من يشاركني سعادتي هذه .. لااعلم لماذا !.... لا اعلم ماذا اقول او افعل !.. التزم الصمت! .. اشعر بانه انذار لي يقول لي "توقفي .. يكفي هذا القدر.. سيري في الحياة بوجوم " .. احيانا التزم بهذا الانذار .. واحيانا اخري اخرج بمحاولة الاقتناع انني علي افضل مايكون .. اتخذها نوع من التحدي لهذا الانذار بحجة انني قادرة علي ادراتها وفقا لنظرتي انا ... لااعلم هل انجح بالفعل ! .. ام انها كلها محاولات فاشلة واابي الاعتراف بفشلي هذا! ..


خروج عن السياق .....


أستاذي هو الذي استقي منه علوم الحياة وليس العلم الاكاديمي او ما يتعلق بشئون العمل .. استاذي هو الذي يخلق يترك بصمته في حياتي .. استاذي هم الذي اتعلم منه اخلاقيات وسلوكيات قبل ان اتعلم منه كيف اتعامل مع الاخرين قبل كيف احصل الدرجات او كيف اتميز في عملي .. فلكم من اساتذة علموا العلم وتركوا بجانبه نوع من الجفاء والخلفيات البغيضة .
استاذي قد يكون نفسي عندما تقوم بسلوك يرقي بها ويرقي بمن حولي ॥ استاذي قد يكون طالبي عندما اتعلم منه طريقة للتعامل مع شئ ما او شخص ما .. استاذي طالبي عندما اجد فيه من الصفات ماتمناها ان تكون في .. استاذي من يعلمي ان اتعايش مع الدنيا قبل ان اعيش فيها ।


اليك استاذي القاضي...


فاليك استاذي دعواتي .. اليك احترامي وتقديري .. اليك ادين بكل الفضل .. اليك اقول "رحل جسدك عنا ولكن روحك وبصماتك لن ترحل ابدا فستكون معنا الي يوم اللقاء؟ .. الي رحمة الله استاذي ومعلمي ..

السبت، ٢٦ مارس ٢٠١١

الغائب الحاضر

"احدثهم دائما فلماذا لا احتفظ بارقامهم " .. كلمات قلتها لاختي اجابة علي سؤالها عن سر نقل ارقام كلا من "الدكتور عبدالوهاب المسيري وصديقتي اميرة" الي هاتفي الجديد رغم وفاتهم.. ليس هذا من باب الجنون .. ولكن من باب شعوري بانهم ممن نطلق عليهم "الغائب الحاضر"

استحضرهم كثيرا في ذهني اتخيل حوارا ثنائيا بيني وبينهم .. اصيغ ردود افعالهم علي مواقف حالية وماذا كانوا سيقولون .. اتذكرهم مع كل حملة تجول في موبايلي .. مع كل موقف اري انهم كان مجال اهتمامهم ..

اتذكر تلك الحوار الذي دار بيني وبين المسيري اثناء الثورة المصرية وتوالي التصريحات من قبل مسئولي الكيان الصهيوني التي تعبر عن حالة من الرعب مما يحدث .. اجده يعلق علي ذلك بانه خوف من نهايتهم التي بدات والتي توقعها وحددها قبل وفاته في خمسين عاما .. استحضرت صورته وهو في ايامه الاخيرة ومعالم المرض تغطي وجهه الذي بدا مبتسما وهادئا قليلا وثائرا في كثير من الاحيان .

اجده يثني علي الثورة الشعبية ويؤكد انها كانت واقعة لامحالة بعد استحفال الفساد والظلم في البلاد .. اسمعه بتنهيدة تنم عن الفرح يقول لي الشعب المصري شعب عظيم كنت اتوقع ذلك منه .. فهو الذي حارب كل المحتلين حارب الهكسوس والانجليز والعدو الصهيوني فكان طبيعي ان يطهر نفسه من الداخل ممن لايقل خطورة عن المحتل الخارجي فكما ينهب المحتل البلاد نهبوها هم .. ويالا الالم عندما ينهبك ابن بلدك.

اصغي الي اشادته باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة .. ويؤكد انها نتيجة طبيعية لما حدث في مصر فمصر هي مربط القضية الفلسطينية ومن خلالها وبدعمها سيكون تحرير الاراضي الفلسطينية .. ويطالب الشباب في فلسطين بقيادة الثورة علي المحتل مثلما قادها شباب مصر علي الفساد .

ولرقمها عندي وضع خاص مثلما كانت لها عندي وضع خاص .. لاتزال صورة صديقتي اميرة امامي بابتسامتها الجميلة ..لازالت المقولة التي كانت تحبها ترن في اذني بصوتها :"أجمل الأنهار لم نراها بعد .. أجمل الكتب لم نقراها بعد .. أجمل أيام حياتنا لم تأت بعد".

حزنت جدا لفقد ميلي لفترة من الوقت .. كدت اجن ليس فقط لانه يحمل الكثير من الاشياء المهمة بالنسبة لعملي ودراستي .. بل لانني اعتدت ان احفظ عليه الكثير من الصور التي تمثل لدي الكثير من الذكريات واحرص علي تسجيل التاريخ اسفل كل صورة وكلمة تحمل مناسبتها .

لنا زميلة كنا نطلق عليها "مجنونة تصوير" فهي تحرص علي تسجيل المواقف بالصور فهي تحمل دائما كاميرا في حقيبتها تسجل بها كل المناسبات .. كانت تخرج كل يوم بحصيلة لاتقل عن عشرين صورة .. حرصت علي تسجيل الكثير من اللحظات بيني وبين "اميرة" .

اتجول في الصور فاجد هذه الصورة التي تخطف من يدي السندوتشات .. وتلك الصورة التي نجري خلف بعضنا .. وذاك الصورة التي تصور افواهنا مفتوحة ونحن نجادل مع بعضنا بحدة .. وصور تصور لحظات السعادة العارمة علي وجوهنا .. وصور نقلد فيها بعض الاساتذة ..وتلك الصورة التي اصبت في يدي وهي تقذفني بحقيبتها .. وصورتي وانا اكاد أسقط علي الارض اثر دفعة منها وتظهر هي مبتسمة .. وغيرها .. فكل صورة تمثل لدي الكثير .. اتجول في ذاكرة الصور فصورة تضحكني للغاية وانا اتذكر موقفها .. وصورة اخري تشعرني بالحزن .

اتحدث معها كثيرا فلكم من مواقف وقعت وتقع اشعر بانها من صنعها .. اجد صورتها حاضرة امامي يجري بيننا حوارا لطيفا شيقا .. بلغة لوغارتيمية لا يفهمها الا انا وهي .. نتحدث بها امام الاخرين ولكن لايفهم دلالاتها الا نحن .. لاازال حتي الان اعتقد ان اي رنات لموبايلي صباحا منها كي توقظني للذهاب الي العمل .

اتذكرها كلما ذهبت الي البوفيه وانا اطلب قطع البسبوسة المغلفة التي كنا ناكلها سويا .. استحضر كلماتها وانا اطلب الشاي "خفيف سكر زيادة" .. تزرف دموعي عندما تمر بي السيارة الي احد المحلات المتخصصة في بيع فساتين الزفاف التي اعتادت ان تاخذني اليه كي نتجول فيه بل وتعمل بروفة علي العديد منها وكانت تامل ان تشتري فستان زفافها منه .

كثيرا مايسالني زملائي في العمل عن سر ابتسامتي واحيانا ضحكي بصوت واضح وانا انظر الي المكتب التي اعتادت الجلوس عليه .. اتذكر احاديثها المضحكة التي اتذكر الكثير منها وكان ذاكرتي احتفظت بها في ملف خاص يحميها من التداخل مع غيرها وتجري عملية مراجعة دورية لها كي لاتفقد .

افكر كثيرا لكام من احياء يعيشون وسطنا ولا نعطي لهم بالا اما لقلة تاثيرهم وعدم فاعليتهم او اننا لا نعرف قيمتهم احيانا اخري .. وكم من اموات يعيشون داخلنا واحيانا يكونوا وقودا يحرك ترس حياتنا .

لا اعلم لماذا لانعلم ونقدر قيمة الانسان وندرك اهميته بالنسبة لنا الا بعد ان نفقدهم او حتي تباعد بيننا الايام .. وفي نفس الوقت يكون هناك اشخاصا قريبون منا ونضع الكثير من الحواجز بينا .