الخميس، ١٨ ديسمبر ٢٠٠٨

تاملات ليلية


وسط الهدوء الداخلي الذي يعم ارجاء منزلنا.. وسط جو من النوم الشامل .. استيقظت علي صوت اغاني عالية من الشارع الخلفي لبيتنا حيث حجرتي الصغيرة المطلة علي هذا الشارع ، قررت ان اقوم لاشرب حيث شعرت بالعطش ، نظرت في ساعتي فوجدت ان الفجر باقي عليه اقل من الساعة فقررت ان انتظر ولا انام الي ان اصلي .

تجولت عيناي في أرجاء الحجرة وسط ضوء ضعيف .. شعرت إني أراها لأول مرة .. فذلك الشباك الصغير المطل علي المنور الداخلي .. لماذا هو بهذا الصغر؟! .. يظهر منه الظلام الدامس وصوت الهواء الذي يضرب في سلك المنور يخرج منه صوت ضعيف اشبه بالموسيقي كما تسمعها إذني! .. وهذه الستارة الثقيلة اكتشف فيها ألوان جديدة غير هذا اللون البيش إنها به لون كاكاوي وذهبي لم ألحظه واهتم به من قبل .. وهذا اللوحات الصغيرة بخط يدي الملعبك والتي تمثل إشارات لمن يدخل حجرتي .. منها "احذر ممنوع الاقتراب علي دولاب كتبي ، و"احذر من الفيروسات " اعلي جهاز الكمبيوتر" .. لماذا أضع مثل هذا اللوحات لقد حفظها أهل بيتي ولا يدخل حجرتي احد من الخارج إلا نادرا أو بعد الاستئذان .. لابد لي من قطعها .. هكذا قررت وفعلت .
تجولت عيناي علي الحائط فكونت شكل وجه تخيلته .. نظرت إليه جيدا .. ذكرني في ملامحه بأستاذ فاضل اعتز به واحترمه لم يسعفني الحظ أن أتعرف عليه جيدا واستفيد منه إلا بعد انتهاء دراستي الثانوية انه "الأستاذ بهاء" مدرس اللغة العربية .. فلكم احترمه واقدره .. وأحب أن أستشيره .. اشعر بتقصير جدا تجاهه فمنذ فترة طويلة لم اتصل لأطمئن عليه .

تأملات كثيرة .. شعرت بعدها باني لست أنا.. قررت القيام سريعا .. طرحت البطانية كلها علي أختي .. أنا لسه عاقلة لم أتجنن بعد.

فتحت جهاز الكمبيوتر وتجولت في بعض مواقع الانترنت، وقرأت مقال يتحدث عن التفاوت الواضح في مصر حيث يزداد الغني غني والفقير فقرا.. تركت الجهاز والي الثلاجة ذهبت ابحث عن اللبن كي اعمل فتة اللبن المفضلة لي ، ولكن لايوجد لبن الا المجمد بالفريزر .. قلت وماله البوتاجاز لزمته إيه! .. فرغت الكيس ووضعته علي النار .. اثناء الانتظار امام البوتاجاز لحين الغليان .. نظرت بدقة الي اللبن .. فوجدت ان بعض اللبن فار بشكل جزئي والبعض الاخر لايزال مجمد ، وهنا قلت طب ماهو ده الفرق الواضح الان بين الغني بشكل فاحش والمنعزل عن عالمه الاخر والذي يحاول بشتي الطرق ان يخرج من جذوره ويمثل هذا الجزء الذي غلي بسرعة من اللبن ، والجزء الاخر الذي لازال يحاول الخروج من الوضع المجمد الي وضع الغليان هو اغلبنا يحاول بشتي الطرق ان يخرج من الوضع الذي فيه .. ولكن رغم محاولة اللبن الفائر ان يخرج من حيز الاناء الموجود فيه الا انه لايستطيع الي ان يلحق به الجزء الذي لازال مجمد .
ومن هنا لا يستطيع جزء من المجتمع القيام بانجاز او نهضة دون الاجزاء الاخري حتي وان تنصل هو منها وحاول الانجاز لذاته .. لكنه في النهاية مرتبط بها .. فأي انجاز حقيقي لابد ان يقوم علي التعاون بين الكبير والصغير .. الكبير يأخذ بيد الصغير ويعطف عليه ويشجعه والصغير يحترم الكبير ويثني عليه ويتخذه قدوة .. قد يكون الكبير عمرا او علما او تدينا .. فالتعاون اساس اي انجاز .. ولايمكن لاي انسان ان يعيش وحده .
والحياة لايمكن ان تقوم علي نوع واحد فقط فالله خلق الرجل والمراة لكل منهم وظيفته يساعد كل منهم الاخر في انجازها دون تعصب او تشدد او تعند ، بروح الحب والطاعة لله وادراك كل واحد لدوره في الحياة .. بحب كل منهم لعمله .. بتقدير كل منهم لعمل الاخر.

الحياة قائمة علي الطبيب وعامل البلدية التي يجمع الزبالة .. قائمة علي الوزير والغفير .. علي الحاكم والمحكوم .. المفترض ان يسير كل منهم جنبا الي جنب .. دون تحقير لمهنة علي حساب الاخري .. فالطبيب متكمن في مستشفاه .. والزبال متميز في مكان عمله .. وكلها مهن مفيدة ويحتاجها المجتمع .. وهذا لايعني ان الطبيب افضل من الزبال .. فكل هذه الفروق نحن الذي وضعناها لانفسنا واعتبرناها مقياس .. قد يكون الزبال افضل من الطبيب عندما يتقن عمله .. لكن هذا النظرة تعمقت داخلنا ومنه ننظر لانفسنا ونقارنها بالاخرين .. ياه لو كنت طبيب .. طب كنت هتعمل ايه .. حاول ترضي بالواقع وتنجز في المكان والمهنة التي توجد فيها.

ولماذا لاياخذ الكبير بيد الصغير الي ان يكبر .. ولماذا لاياخذ الغني بيد الفقير بدل من انعزاله عنه .. ولماذا لايقدر من وصل لمكانة ما سواء كانت علمية او مادية اوووو انه كان في بدايته صغير وبالتالي يساعد من هو اصغر منه ..
وفي أثناء هذه التأملات الليلية ورغم نظري بقوة الي اناء اللبن الا انه فار علي البوتاجاز .. حاولت ان اغلق الشعلة ولكن البوتاجاز لسة جديد ومقبض الشعلة قوي جدا لم استطع اغلاقه .. واضاءة الشعلة قوية جدا اكبر من ان يطفئها اللبن .. حاولت انقاذ الموقف او بالاحري انقاذ ماتبقي من اللبن بان امسكت الاناء بفوطة والحمد لله استطعت انقاذ شوية من اللبن ولكن بعد لسع يدي .. ولم استطع عمل الفتة .. فتلهيت باصابعي والبحث عن اي كريم للحروق..وانتهت هذه التاملات الليلية باذان الفجر وبداية يوم جديد .