السبت، ٩ أغسطس ٢٠٠٨

أنا الوزيرة


خاطر دار بذهني بعد مناقشة مع أستاذ فاضل حيث قال ليا بهزار "عقبال مانشوفك وزيرة" فقلت له :"وماله تصدق فكرة" ، فتخيلت نفسي علي كرسي الوزارة وقلت في نفسي
ايه يعني هما الوزراء أحسن مني ولا إيه علي الأقل أنا قنوعة أوي ومش هاخذ غير حقي – وهتشوفوا ده في خططي - لا دا انا لو بقيت وزيرة هعمل عمايل واسوي الهوايل ، يا سلام يابت يانهياوية ، وقلت طب وإيه يعني إيه المانع حتى اعتبريه حلم وعيشيه شوية (مع انه موش حلم يعني بالنسبة ليا ). .
تبدأ مسرحية "كرسي الوزارة"
تخيلت نفسي قاعدة علي كرسي الوزارة وبالأخص كرسي "وزير الأعلام" بما ان دراستي وشغلي فيه ودي أكثر حاجة بفهم فيها يعني ، سمع هوس يا جماعة الوزيرة قادمة
الكل يقف بربكة شديدة الهدوء يعم أرجاء الوزارة المكان نظيف جدا ومرتب والكل يضرب تعظيم سلام ليا "يا سلام يابت يانهياوية ، إيه العظمة دي كلها أمك دعيالك في صلاة الفجر" في حلم أنا ولا في علم ، حد يضربني قلمين يفوقفني كدا .
أسدل الستار حيث اقعد أنا علي كرسي الوزارة والكل حولي ينافقني بكلام معسول :"ياه يا سيادة الوزيرة الوزارة علي يدك ستشهد إنجاز غير مسبوق ، سيادتك هتخلي الوزارة جنة ، الوزارة ستشهد أكثر فتراتها إنجازا علي أيدك"
أنا بفخر شديد :"طبعا طبعا، انتم عندكم شك ولا إيه ، دا أنا الوزيرة "

انا اقول ويبدو علي الاصطناع :"يلا يلا بلاش عطلة كل واحد علي شغله ، وأقول مخاطبة وكيل اول الوزارة انا عايزة خطة البرامج للفترة القادمة " فيرد قائلا :"ياسيادة الوزيرة لاتتعبي نفسك احنا قمنا بكل حاجة من اعداد لإشراف لتعيين بالواسطة لي لي "
انا انظر باستغراب
ويكمل :"كبري سيادك دماغك وانا جبت ليكي ربع كيلو لب من احسن نوع من العبد كمان وكله من ميزانية الوزراة تسلي نفسك بيهم ، وكمان كل جلسة مجلس شعب تحضريها هجيب لسيادك ربع كيلو يلا كله مال الشعب"

يزداد استغرابي
فيقول لي :"شكل سيادتك مستغربة ، انتي عارفة الوزير السابق كان اكثر من كدا كان ييجي الصبح الوزارة يكبر دماغه لا همه اعلام ولا حرية ولا اطفال بيشوفوا برامج تافهة ولا همه اختراق اعلامي ولا لا لا ".

ارد عليه قائلة :"انا قلت لك ايه في الاول "
يرد :"تقصدي ايه حضرتك"
انا :"عايزة خطة الفترة القادمة ، وعايزة تقرير شامل عن كافة الجوانب المالية للوزارة أي الايرادات والمصروفات وياريت بالاخص مصروفات اللب والتسالي دي ، علشان احتمال نزودها"

هو :"انا قلت برده كدا شكل الوزارة هتزهزه علي ايدك ".

ينتهي اليوم الأول من المجاملات والنفاق
تليفونات كثيرة من التهاني والمباركات ، وزملائي تليفوناتهم لاتتوقف .. الكل يبارك لي ويقول :"لاتنسينا فنحن زملاء كفاح ، شوفي لنا وظيفة محترمة وبمرتب محترم ، وبمرتب محترم "، لارد علي كل منهم :"يا باشا اختاري المكان اللي يعجبك واعتبري نفسك معينة فيه "، مش انا الوزيرة برده اعين وارفد زي ماانا عايزة.

أقرر ان ارحل إلي بيتي فإذا بخمسة بودي جارد خلفي ، فاقول :"لماذا كل ذلك" فيقول لي الوكيل :"خوفا علي سيادتك هو سيادك شوية" فارد :"لا .. طبعا انا الوزيرة.. ياريت كمان اثنين" واركب سيارة فخمة جدا وخلفي سيل من سيارات الحراسة ، اسير في طريق فارغ وهادي وكأنني لااسير في القاهرة والشوارع نظيفة وخالية الا من قليل من الناس وبالسؤال عن السر قالوا :"انهم فرقوا كل الناس ووقفوا كل الطرق الا الطريق الذي نسير فيه ، احتراما لموكب سيادتك"
فرديت :"طبعا طبعا ، مفهوم .. انا الوزيرة .. المرة القادمة دوسوا بالسيارة علي أي شخص تلاقوه في الطريق ".

اصل إلي بداية شارعنا لاجده ملئ بالزهور والاشجار الجميلة ومفروش بالسجاد اللي لونه احمر ..اقول لا ده مش شارعنا فين المجاري اللي طفحت ، والكل يهتف :"تعيش سيادة الوزيرة .. تعيش تعيش . . بنت بلدنا البارة .. تعيش تعيش .. "
لانظر اليهم واقول في نفسي :"مهو انا اللي لسة كنت معدية الاسبوع اللي فات ومردوتش عليا السلام .. عالم بتاع مناصب " ، وفي الوسط تقف الست الحشرية اللي في شارعنا وتقول ليا :"والنبي يابنتي انا كنت عارفة انك هتكوني حاجة كبيرة وربنا صدق رؤيتي اهو ، وشوفتك وزيرة مالو بدلتك ، ياحلاوة ياولاد ، بنت شارعنا بقت وزيرة ".

لأرد عليها : " شكرا .. شكرا .. بس تبقي تبطلي حشرية" ، لتقول :"والنبي خارجة من بقك زي العسل"
وأقول في نفسي :"لو مكنتش وزيرة لكانت لمت عليا الشارع وهاتك ياشتيمة .. انما انا الوزيرة".


ادخل بيتنا واري الفرحة في عيون اهلي والكل ينظر الي بفرح شديد

ادخل حجرتي وافكر كثيرا ماذا سأفعل واجد داخل نفسي صراعين الاول كالاتي
"اولا : من المفترض ان اؤمن مستقبلي ومستقبل أسرتي الأول يعني أبيع ضميري واستغل منصبي زى الباقي يعني جت عليا انا ، اولا اشتري كام عربية ليا ولاخواتي واضع كام مليون كدا في البنك اهو لزوم التامين ، وكام مليون خارج مصر في سويسرا مثلا ، كام شاليه في الساحل الشمالي ، كام فيلا كدا لزوم الوزارة ، اسيب الكل يضرب في كله ، تسيب ، انحلال ، افلام ومسلسلات تافهة مغيبة عن الواقع "مهو برده المشاهد العربي زي الميلامين جامد ومتين!!" ، وكمان مهو احنا سيرتنا كعرب علي لسان كل العالم في القنوات الفضائية الأجنبية المخصصة لتدميرنا ، انحلال أخلاقي مهو كدا كدا القنوات الفضائية بتصل ليهم جت علي التليفزيون بتاعنا ، انظم مع العدو خطة لتدمير عقول وشبابنا وتغيبهم عن الواقع "اهو اكسب فيهم ثواب بدل من الهيروين والمخدرات والتكلفة الزايدة دي" .
الصوت الثاني يقول :"لا لا ياسيادة الوزيرة نهياوية لاد ان نؤسس نظام إعلامي جديد يستمد جذوره من مبادئ ديننا اولا ومن عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة ومن واقع دراستنا ومن واقع استفادتنا من الجوانب الايجابية من الأنظمة الاخري ، في البداية ستواجهي الرفض الشديد ، وكمان ممكن تفقدي الكرسي من بكرة بس برده يبقي أرضيت ضميري وقبل كل ذلك رضيت ربي ، وسواجه مشاكل وعقبات كثيرة .

صراعين داخلي يا تري هعمل ايه مفيش ، وأفكر في حل وسط داخلي يعني اقش الكل يعني افيد نفسي وغيري – يعني استغل المنصب – وفي نفس الوقت برده مزودهاش اوي واخرب أدمغة الشباب بتوعنا ، بس أزاي يا سيادة الوزيرة .. ازاي .. ازاي .. لا يابت يانهياوية الموضوع محتاج تفكير عميق .. نامي شوية وارتاحي ولما تقومي تبقي فكري شوية بهدوء

أضع راسي علي وسادتي أغمض عيناي ، أحاول ان انام ولكن بلا فائدة .. اقوم .. احاول مرة أخري .. وبعد محاولات عديدة تغمض عيناي واذهب في سبات .. ووسط هذا اذا بي اشعر انني في قفص الاتهام وحاولي ناس كثيرة بمختلف الازياء منها مايبدو انهم بدو ومنهم ناس ريفين ومنهم ناس تبدو عليهم علامات الكجولة ، الكل ضدي ولا احد يدافع عني الكل يحاصرني بالاتهامات :"انتي دمرتينا .. انتي غيبتينا عن ديننا .. انتي جعلتي العدو يتحكم في عقولنا .. انتي .. انتي " ، اصرخ اريد ان ارد علي كل هذا ولكن لااحد يسمعني .

ووسط هذا يقرب مني رجل كبير السن ذو وجه منير ويهمس في اذني قائلا :"يابنتي لما فعلتي هذا الم تسمعي قول الرسول صلي الله عليه وسلم :"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ، لماذا لاترضي الله في مسئوليتك " فارد عليه :"الكل بيعمل كدا .. اشمعني انا .. وكمان لو كنت عملت غير كدا كنت أما أنا اذهب وراء الشمس أو ان اترك الكرسي في نفس يوم جلوسي عليه
فيذهب عني غاضبا ، ويقول لي :"الكل .. يحرص علي الكرسي .. الا تحرصون علي رضا الله .. حسبنا الله ونعم الوكيل ".
اعود للصراخ مرة اخري ، ولكن بلا فائدة فقد وقع الأمر لا محالة وسألقي مصيري المحتوم .

استقيظ علي انامل صغيرة تلامسني وصوت جميل صغير يقول لي :"عمتو الوزيرة قومي .. الغداء جاهز" ، فاحمد ربي انني كنت احلم وليس حقيقة ، واقول في نفسي :"الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله "
ويقول لي ذلك الطفل الصغير :"بصي ياعمتو انا عايز التليفزيون كله يبقي كارتون ، وبكار ، ولعب ، وخلاص ، مش أنتي الوزيرة بتاع التليفزيون ده "
فارد عليه قائلة :"لقد كنت وزيرة .. أما الآن فلم اعد"