الأحد، ١ مايو ٢٠١١

اليك استاذي

رحل عنا تاركا بصماته في ذهن كل من تعرف عليه او سعدته الايام بالعمل معه او حتي تشرف بالتحدث معه .. ترك بصمة اخلاقية باسمه يحملها للابد الي اللقاء امام الله فتكون شفعيته .. ليست مجرد كلمات في رثاء رجل رحل عن الحياة .. انها حق كان يجب ان ياخذه في حياته .. تشغلنا الحياة عن تقدير الكثير ذو الافضال علينا .. لا نتذكرهم ونتذكر افضالهم الا عندما يرحلوا منها .. هي اللعنة التي اصابتا وستظل تصيبنا ... لعنة انكار الاخرين وعدم اعطائهم حقوقهم ..


استاذي


يالا كثرة ترددها علي لساني يوميا .. ارددها بلا وعي احيانا كثيرا .. اقولها لاغلب من اتحدث اليهم .. اعتدت استخدمها كلقب للكثير ممن اتعامل معهم .. اجد نفسي اقولها لرئيسي في الشغل .. اقولها احيانا لزملائي .. اقولها احيانا لاخي الصغير .. اقولها احيانا لطلابي .. لااعلم لماذا؟ .. هل لمجرد تعودي علي ذلك ؟! .. ام انني دون ان ادري لها معاني عندي؟! .. فكرت كثيرا دون فائدة لم استطع تحديد السبب ...
عدت وقلت دائما مااقول دون ان افكر في مدلولها ان استاذي هو من يترك بصمة في ذهني اتذكره بها دائما اي كان وضعه بالنسبة لي ... هو من ادين له بالفضل في تعلمي شئ ما .. ويالا الجمال اذا تعلمت منه سلوك او خلق ما .... فما اكثر العلم بفهومه المعتاد في الكتب ومن السهولة الوصول اليه.
عقب علمي بخبر وفاة "استاذي عادل القاضي" .. اعدت استيعاب المعاني بل وتحديديها

فعنه اكتب


تجده حاضرا في اصغر شئ ..في ابسط الكلام .. تشعر كانه طير محلق في السماء.. في وقت تجد فيه الكثير يتجاهل من حوله وجدته يهتم بادق التفاصيل وبكل من حوله .. شخص غير عادي .. يجمع مئات الاشخاص داخله .. يتصرف وكأنه عشرات الاشخاص.
اعجبت جدا بدقة ملاحظته واهتمامه بكل كلمة تقال في اول لقاء بيننا في اجتماع للقسم الذي كنت اعمل به بـ "محيط" عقب توليه رئاسة تحرير.. وجدته يقرا افكار كل من حوله يركز جدا وكانه يحاول ان يفهم عقل من امامه .
خاطبته معاتبة علي سحب احد ملفاتي من علي الموقع من الفلاشة الرئيسية ليرد علي بانه سيرجع بعد دقائق لانه وجد انه جيد – كما قال – وشجعني علي الاستمرار ، وقتها شعرت بدفعة معنوية كبيرة .. استمريت خلال الاشهر القليلة لعملي تحت رئاسته بالموقع واعتبر هذه الفترة من اكثر الفترات التي كتبت مااريد ..
اتذكر كيف كان يناقشني في عناوين الموضوعات رغم انه لم يكن رئيسي المباشر .. فكنت اتعجب كيف له يناقش محررة لازالت مبتدئة .. الا يمكن له ان يحذف العنوان ويضع بديل له .. هنا لمست فيه انه يريد ان يعلم لا ان يسيطر ويفرض رأيه .
لازلت احتفظ باول مكافاة صرفها لي لاشادته باحد الحوارات التي اجريتها .. كانت وقتها مائة جنيه .. لااعلم لماذا احتفظت بها .
اتذكر له تشجيعي علي فكرة احد الابواب الجديدة التي عرضتها عليه لانشائها علي الموقع وطلب مني كتابة تصور لها وتخطيط لشكل الصفحة وهو ماتم واشاد به .. وللاسف لم يتم تنفيذها لمغادرته الموقع بعدها مباشرة .
له الفضل علي في اتخاذ خطوة العمل الاكاديمي الذي كنت لااحبذه .. شرح لي كيف انه هام لي في المستقبل .. وشرح لي كيف كان متفوقا وكان يريد ان يعين كمعيد بالكلية .. وساعدني كي اوفق بين العمل الصحفي والاكاديمي رغم اني تركت العمل بالموقع قبلها الي العمل من الخارج .
اتذكر له مداعبته لي وهو يقول لي "انا خايف تخرجي ومترجعيش .. تاخذك الرياح وتطير " ، ومرة اخري يقول لي "انك تذكريني بابنتي فهي نحيفة مثلك".
نعم انه استاذي .. بكل الفخر اقولها .. استاذي الذي تعلمت منه الاخلاقيات والهدوء والالتزام مع النفس ومع الاخرين .. تعلمت منه كيف تحتوي كل من حولك بحسن كلامك واختيار الالفاظ اللائقة.
دائما مااحرص علي مراقبة الاشخاص وتصرفاتهم .. واحيانا انفعالاتهم مع المواقف .. واحرص ايضا علي تعلم ما يروق لي من سلوكياتهم .. واول ماتعلمته منه "السكينة " و "الحرص علي التواصل مع الاخرين" .
لااعلم لماذ أبت دموعي ان تسقط حزنا عليه؟ .. هل رات انه اكبر بكثير من مجرد سقوطها عليه ؟.. انه فعلا ذهب الي مكان يليق به .. لم يكن مكانه علي الارض كما وصفه تلاميذه واصدقائه .. اخلاقه اخلاق الملائكة ..

عنهم ..عني


كنت انتظر انتهاء الشهر الماضي بفارغ الصبر اصبحت ابغضه فقبلها بايام في زيارة لوالدة صديقتنا قالت لنا "حتي الحزن بعد وفاتها لم يعد له معني عندي" .. اخذنا الكلمات ورحلنا.. لم افكر فيها كثيرا الا عندما سمعت خبر وفاة "القاضي" .. احيانا نفقد الشعور بالشئ او حتي التعبير عنه من تراكمه او من شدة مفاجاته .. فتجد نفسك تتصرف بطبيعتك وفي داخلك شئ تريد ان تخرجه ولا تقدر .. فباي شكل يخرج وكيف!! .. يصيبك الصمت والتبلد في التعبير عما بداخلك ..

لااعلم لماذا وجدت الكثير من التشابه بينهم .. لهم مكانة كبيرة عندي .. اكن الكثير من الاحترام لهم .. لهم علي الكثير من الافضال .. تعملت منهم الكثير .. يملكون الكثير من النقاء والحب يوزعونه علي من حولهم .. تشعر بالراحة في الحديث معهم .. من الشخصيات التي لايمكن ان تنسي .. تشعر بالسعادة عندما تخطرون علي ذاكرتك .. تدعو لهم من القلب .
اري التشابه ايضا في التوقيت بالنسبة لي ..فجاءت الوفاتين في وقت اري انهم غمرة السعادة لي اريد من يشاركني سعادتي هذه .. لااعلم لماذا !.... لا اعلم ماذا اقول او افعل !.. التزم الصمت! .. اشعر بانه انذار لي يقول لي "توقفي .. يكفي هذا القدر.. سيري في الحياة بوجوم " .. احيانا التزم بهذا الانذار .. واحيانا اخري اخرج بمحاولة الاقتناع انني علي افضل مايكون .. اتخذها نوع من التحدي لهذا الانذار بحجة انني قادرة علي ادراتها وفقا لنظرتي انا ... لااعلم هل انجح بالفعل ! .. ام انها كلها محاولات فاشلة واابي الاعتراف بفشلي هذا! ..


خروج عن السياق .....


أستاذي هو الذي استقي منه علوم الحياة وليس العلم الاكاديمي او ما يتعلق بشئون العمل .. استاذي هو الذي يخلق يترك بصمته في حياتي .. استاذي هم الذي اتعلم منه اخلاقيات وسلوكيات قبل ان اتعلم منه كيف اتعامل مع الاخرين قبل كيف احصل الدرجات او كيف اتميز في عملي .. فلكم من اساتذة علموا العلم وتركوا بجانبه نوع من الجفاء والخلفيات البغيضة .
استاذي قد يكون نفسي عندما تقوم بسلوك يرقي بها ويرقي بمن حولي ॥ استاذي قد يكون طالبي عندما اتعلم منه طريقة للتعامل مع شئ ما او شخص ما .. استاذي طالبي عندما اجد فيه من الصفات ماتمناها ان تكون في .. استاذي من يعلمي ان اتعايش مع الدنيا قبل ان اعيش فيها ।


اليك استاذي القاضي...


فاليك استاذي دعواتي .. اليك احترامي وتقديري .. اليك ادين بكل الفضل .. اليك اقول "رحل جسدك عنا ولكن روحك وبصماتك لن ترحل ابدا فستكون معنا الي يوم اللقاء؟ .. الي رحمة الله استاذي ومعلمي ..

السبت، ٢٦ مارس ٢٠١١

الغائب الحاضر

"احدثهم دائما فلماذا لا احتفظ بارقامهم " .. كلمات قلتها لاختي اجابة علي سؤالها عن سر نقل ارقام كلا من "الدكتور عبدالوهاب المسيري وصديقتي اميرة" الي هاتفي الجديد رغم وفاتهم.. ليس هذا من باب الجنون .. ولكن من باب شعوري بانهم ممن نطلق عليهم "الغائب الحاضر"

استحضرهم كثيرا في ذهني اتخيل حوارا ثنائيا بيني وبينهم .. اصيغ ردود افعالهم علي مواقف حالية وماذا كانوا سيقولون .. اتذكرهم مع كل حملة تجول في موبايلي .. مع كل موقف اري انهم كان مجال اهتمامهم ..

اتذكر تلك الحوار الذي دار بيني وبين المسيري اثناء الثورة المصرية وتوالي التصريحات من قبل مسئولي الكيان الصهيوني التي تعبر عن حالة من الرعب مما يحدث .. اجده يعلق علي ذلك بانه خوف من نهايتهم التي بدات والتي توقعها وحددها قبل وفاته في خمسين عاما .. استحضرت صورته وهو في ايامه الاخيرة ومعالم المرض تغطي وجهه الذي بدا مبتسما وهادئا قليلا وثائرا في كثير من الاحيان .

اجده يثني علي الثورة الشعبية ويؤكد انها كانت واقعة لامحالة بعد استحفال الفساد والظلم في البلاد .. اسمعه بتنهيدة تنم عن الفرح يقول لي الشعب المصري شعب عظيم كنت اتوقع ذلك منه .. فهو الذي حارب كل المحتلين حارب الهكسوس والانجليز والعدو الصهيوني فكان طبيعي ان يطهر نفسه من الداخل ممن لايقل خطورة عن المحتل الخارجي فكما ينهب المحتل البلاد نهبوها هم .. ويالا الالم عندما ينهبك ابن بلدك.

اصغي الي اشادته باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة .. ويؤكد انها نتيجة طبيعية لما حدث في مصر فمصر هي مربط القضية الفلسطينية ومن خلالها وبدعمها سيكون تحرير الاراضي الفلسطينية .. ويطالب الشباب في فلسطين بقيادة الثورة علي المحتل مثلما قادها شباب مصر علي الفساد .

ولرقمها عندي وضع خاص مثلما كانت لها عندي وضع خاص .. لاتزال صورة صديقتي اميرة امامي بابتسامتها الجميلة ..لازالت المقولة التي كانت تحبها ترن في اذني بصوتها :"أجمل الأنهار لم نراها بعد .. أجمل الكتب لم نقراها بعد .. أجمل أيام حياتنا لم تأت بعد".

حزنت جدا لفقد ميلي لفترة من الوقت .. كدت اجن ليس فقط لانه يحمل الكثير من الاشياء المهمة بالنسبة لعملي ودراستي .. بل لانني اعتدت ان احفظ عليه الكثير من الصور التي تمثل لدي الكثير من الذكريات واحرص علي تسجيل التاريخ اسفل كل صورة وكلمة تحمل مناسبتها .

لنا زميلة كنا نطلق عليها "مجنونة تصوير" فهي تحرص علي تسجيل المواقف بالصور فهي تحمل دائما كاميرا في حقيبتها تسجل بها كل المناسبات .. كانت تخرج كل يوم بحصيلة لاتقل عن عشرين صورة .. حرصت علي تسجيل الكثير من اللحظات بيني وبين "اميرة" .

اتجول في الصور فاجد هذه الصورة التي تخطف من يدي السندوتشات .. وتلك الصورة التي نجري خلف بعضنا .. وذاك الصورة التي تصور افواهنا مفتوحة ونحن نجادل مع بعضنا بحدة .. وصور تصور لحظات السعادة العارمة علي وجوهنا .. وصور نقلد فيها بعض الاساتذة ..وتلك الصورة التي اصبت في يدي وهي تقذفني بحقيبتها .. وصورتي وانا اكاد أسقط علي الارض اثر دفعة منها وتظهر هي مبتسمة .. وغيرها .. فكل صورة تمثل لدي الكثير .. اتجول في ذاكرة الصور فصورة تضحكني للغاية وانا اتذكر موقفها .. وصورة اخري تشعرني بالحزن .

اتحدث معها كثيرا فلكم من مواقف وقعت وتقع اشعر بانها من صنعها .. اجد صورتها حاضرة امامي يجري بيننا حوارا لطيفا شيقا .. بلغة لوغارتيمية لا يفهمها الا انا وهي .. نتحدث بها امام الاخرين ولكن لايفهم دلالاتها الا نحن .. لاازال حتي الان اعتقد ان اي رنات لموبايلي صباحا منها كي توقظني للذهاب الي العمل .

اتذكرها كلما ذهبت الي البوفيه وانا اطلب قطع البسبوسة المغلفة التي كنا ناكلها سويا .. استحضر كلماتها وانا اطلب الشاي "خفيف سكر زيادة" .. تزرف دموعي عندما تمر بي السيارة الي احد المحلات المتخصصة في بيع فساتين الزفاف التي اعتادت ان تاخذني اليه كي نتجول فيه بل وتعمل بروفة علي العديد منها وكانت تامل ان تشتري فستان زفافها منه .

كثيرا مايسالني زملائي في العمل عن سر ابتسامتي واحيانا ضحكي بصوت واضح وانا انظر الي المكتب التي اعتادت الجلوس عليه .. اتذكر احاديثها المضحكة التي اتذكر الكثير منها وكان ذاكرتي احتفظت بها في ملف خاص يحميها من التداخل مع غيرها وتجري عملية مراجعة دورية لها كي لاتفقد .

افكر كثيرا لكام من احياء يعيشون وسطنا ولا نعطي لهم بالا اما لقلة تاثيرهم وعدم فاعليتهم او اننا لا نعرف قيمتهم احيانا اخري .. وكم من اموات يعيشون داخلنا واحيانا يكونوا وقودا يحرك ترس حياتنا .

لا اعلم لماذا لانعلم ونقدر قيمة الانسان وندرك اهميته بالنسبة لنا الا بعد ان نفقدهم او حتي تباعد بيننا الايام .. وفي نفس الوقت يكون هناك اشخاصا قريبون منا ونضع الكثير من الحواجز بينا .

الأربعاء، ٢٣ فبراير ٢٠١١

شبح الغرق

تعلم انها لاتجيد السباحة ولكنها عزمت الابحار في بحر يبدو لها عميق للغاية .. تعي جيدا انها ستواجه الامواج العاتية ومع ذلك اتخذت القرار بالمحاولة بل والاستمرار .

لاتعلم هل تقدم نحو الصواب ام نحو الهاوية ؟! .. لكنها متأكدة ان التجربة تستهويها .. عزمت الغوص في هذا البحر ولكن لا تعلم هل بارادتها ام بدافع منه هو ؟!.

تعتريها الحيرة المحفوفة بالخوف .. تشعر بانها علي حافة مستقبل مبهم .. تظن احيانا انها ستغرق وسط الامواج بلا تحقيق اي انجاز.

لاتستطيع تفسير اسباب الاقدام علي الابحار أهي تلقائية وانفعالية ام عقلانية ؟.. ام انها نتاج طبيعي لبحر نال الاشادة من اناس يسكنون امواجه واناس اخرين ياملون فيه الخير؟ .

لاتعلم ماذا تنتظر من هذا البحر اتنتظر ان يدوم هدوئه وصفائه الذي ارتبط بذهنها من رؤيتها لحوافه ؟!.. اتدرك انها تتعمد احيانا الا تفكر في الاعماق ؟!.. اتنتظر ان يقدم مزيد من قرابين الولاء ليزيد الاطمئنان؟! .

لاتدري دوافعه وحرصه علي خوضها تجربة الابحار فيه وهو مايستهويها ايضا .. تنظر اليها علي انها صك الاطمئنان .. لكن ماذا اذا جار الزمن عليها ؟!.

لا تدري ماذا تفعل اذا استهوتها السفن وعزمت ركوبها لاكتشاف الامواج التي يهابها الكثير والتي تمثل هدفها من هذا البحر! .. تندم احيانا علي عشقها لروح المغامرة التي قد تنال منها .

يستهويها احيانا في خيالاتها ان تعلن له عن مخاوفها منه .. ولكن ماوقع ذلك عليه ؟.. وهل تمتلك الجرأة كي تقولها ؟.. لكنها تتسائل هل الاعلان يعتبر استغلالا لحالة الهدوء الذي ظهر عليها؟.

مثل علي كل البحور تدرك انه يحوي بداخله اهوال وكنوز فتحاول ان تتغاضي عن اهواله بمحاولة اكتشاف كنوزه وتسليط الضوء عليها .. واحيانا تحاول الاقتناع بانها ليست باالاهوال وإنها من تضخمها .. وتعود لتتسائل الي متي ؟ ولماذا؟ .

تخشي من فرق المسافات والاختلافات .. ولكنها تعود وتقول الا يمكن ان تذوب .. او تكتشف انها حالة من الاختلاف المحبب ! .

تتسائل اوصلت لمرحلة من الثقة ان تستغني به عما حولها وتقبل ان تكون وحيدة معه وسط الادغال ؟ .. فان كان نعم فما هي الضمانات كما تراها ؟!.. وان كان لا فماذا تفعل؟.

تأمل منه ان يكون إمامها في صلواتها .. ان يكون سندها وعونها في كل وقت .. ان يكون هدفها هو هدفه وهو الفوز بالجنة .. تري هل تحلم ؟!.. فان كان نعم اليس الحلم مشروع؟!.